الأربعاء، 16 مايو 2012

التفاعل الإجتماعي

Interaction social
التفاعل  الإجتماعي
مقدمـــــــــــــــــــة :
إن السوسيولوجيا كمقاربة لواقع الناس و المجتمعات و كمحاولة جادة لإضفاء معنى ما على فعلهم، و لتفسير التحولات المستمرة، تقوم بذلك من خلال تعدد زوايا النظر و المناهج و أليات البحث، فكل تحليل سوسيولوجي يترجم واجهة ما أو زاوية نظر ، دون أن يعني ذلك أنه التحليل الوحيد و الأوحد، لأن كل ظاهرة أو فعل اجتماعي يحتل معاني مختلفة و تفسيرات سوسيولوجية متعددة . إن كل وجهة نظر سوسيولوجية تقترح قراءتها للإجتماعي دون أن تتناقض بالضرورة مع المحاولات السوسيولوجية الأخرى، لأن كل وجهة نظر تحبذ الإعتماد على معطيات خاصة بها دون أخرى، كما أنها تركز في تحليلها على دور الفاعل – الفرد و ليس على النظام – المجتمع ، لكل ذلك فإن كل تحليل سوسيولوجي هو تأويل للإجتماعي.
يتحقق الوجود والشرط الإنساني في عالم معقد من المعاني والقيم، ففي كل لحظة هناك فعل و رد فعل، أو إحساس فردي أو جماعي، وبالتالي فالسوسيولوجيا تمارس معرفتها على الأشياء الثابتة إلى هذا الحد أو ذاك، كما هو شأن بعض العلوم الأخرى، بل تمارسها على العلاقات بين الناس، هؤلاء الذين هم أنفسهم لا يدركون بشكل تام أسباب فعلهم و نتائجه. إنها تطبق على عالم متغير و هي نفسها تساهم في هذا التغيير المستمر من خلال الإستجابات الفكرية والعلمية التي تقوم بها ، و ليس على عالم طبيعي ثابت غير مكترث للمعرفة والخطابات التي تنتج حولها .
إن الفاعلين الأفراد أصبحوا أكثر حساسية و اهتماما بالخطابات النقدية والتحاليل التي يكونون موضوعا لها، وبالتالي صارت العلوم الإجتماعية اليوم ميدان وعي الذات، الشيء الذي أفضى إلى علاقة تواطئ معقدة و مشبوهة بين السوسيولوجي والفاعل، و هي مصدر الصراع والسجال داخل الحقل السوسيولوجي، فكل نظرية تعني رؤية خاصة للعالم، كما أنها تعتمد على منظومة أخلاقية ضمنية خاصة تغذيها, و للإجابة على السؤال المؤرق التالي : هل المجتمع هو الذي ينتج الفرد أم أن الفرد هو الذي يؤثر في المجتمع؟.. نجد أنفسنا إزاء اتجاهين كبيرين اتسم بهما تاريخ السوسيولوجيا منذ البدايات الأولى لظهورها و ظهور تجمعات حضرية كبرى إلى الآن، بحيث أن كل فريق يحبذ منظوره و خصوصياته و طرقه المنهجية للإنتصار لتصوره الخاص، سواء بالتركيز على الفرد الفاعل من جهة، أو على المجتمع – النظام في بناء المعنى من جهة أخرى.
إن التصور السوسيولوجي يجد نفسه طيلة تاريخه منقسما بين الفاعل و بين الدلالة والبنية، و بين الذاتية والموضوعية، وبين الحرية والحتمية… وكل هذه الثنائيات تحيل إلى توجهين نظريين كبيرين: سوسيولوجية الفهم و سوسيولوجية التفسير.
إن التمييز بين هذين المنظورين السوسيولوجيين يعكس التوثر والصراع الذي يعتمل في حقل السوسيولوجيا في اختيارات منهجية و نظرية مختلفة تتعلق بكل باحث سوسيولوجي على حدة حسب القيم التي تؤسس تصوره للحياة في المجتمع.
تحيل سوسيولوجيا التفسير إلى المنظور الدوركايمي الذي يؤكد على أن الوقائع الإجتماعية هي أشياء، و يستبعد قضية المعنى، و يجعلها ثانوية، كما يجعل الفرد خاضعا لجملة من الإكراهات ، بينما سوسيولوجيا الفهم تحيل على التصور الفيبري الذي يدعو إلى الإهتمام أكثر بالدلالات المعيشية للأفراد والغايات الإجتماعية للفاعل – الفرد كمنطلقات لتأويل الوقائع والظواهر الإجتماعية ، و هو ما تبناه جورج زيمل عندما أكد على أهمية العلاقات فيما بين الأفراد في بناء الموضوع السوسيولوجي.
إن التفاعلية الرمزية تعتبر شكلا أو وجها من أوجه سوسيولوجيا الفهم، و تنتمي إلى السوسيولوجيا الأمريكية ، و يعتبر جورج زيمل هو من أرسى جذورها الأولى ، و جاءت إسهامات الرواد الأوائل كمدرسة شيكاغو الذين تتلمذوا على يد زيمل ببرلين للقيام بالبناءات والصياغات الأولى لهذا المنظور، خاصة كل من روبير إرزابارك، و وليام طوماس، كما يعود الفضل لجورج ميد في إرساء الصرح النظري لهذا التصور، والذي أثر بشكل كبير في العديد من الباحثين اللاحقين لها، كما أن هربرت بلومر استطاع التأثير و بناء اتجاه فكري اتضحت معالمه أواخر الخمسينيات من القرن الماضي، حيث لم يكن هذا الإتجاه متجانسا و تشكل على شكل حساسيات نظرية و علمية مختلفة لكنها متقاربةمن حيث المقاربة والمشروع السوسيولوجي، و منذ ذلك الحين استقطبت التفاعلية الرمزية أعلاما بارزة في تاريخ السوسيولوجيا الأمريكية من بينهم :
Becker Kuttn , Shibutani , A . strouss , E.C. hugues , R.H.Tunner , Groufkel Shuts
1- الأطر المرجعية للتفاعلية :
أ_البراغماتية.
ب_المدرسة السلوكية.
ج_نظرية الفعل الإجتماعي.
تقديـــــــــــــــــم :
إن التفاعلية كاتجاه و نزوع فكري في مقاربة الظواهر الإجتماعية تتأسس من خلال التأثيرات القوية التي مارسها المذهب البراغماتي في الفلسفة من خلال مساهمة فلاسفة نادي كومبردج الميتافيزيقي خاصة منهم شارل برون و وليام جيمس العضوان في هذا النادي، و إسهامات احد مؤسسي مدرسة شيكاغو – فرع الفلسفة جون ديبي .
أ_البراغماتية :
تعني كمصطلح مشتق ن اليونانية الفعل، و هي نظرية امبريقية للمعرفة، إن المعرفة، كل المعرفة بالنسبة للبراغماتيين هي ناتجة عن التجربة الحياتية للأفراد، و لذلك فإنها مؤقتة و قابلة للتغيير و التصحيح ، على اعتبار أنها مرتبطة بالمعيش و بتجربة الأفراد في الحياة، و صدقيتها من عدمه تقاس من خلال نتائجها على الواقع، بمعنى أن السؤال الذي تطرحه يجب التحقق من صدقيته أو عدمها من خلال الوقائع.
و يرى البراغماتيون أنه يجب التعاطي مع الواقع كما يبدو لنا في سطحيته، لأن الأشياء هي كما تبدو لنا و ليس لها ما تخفيه علينا وراء مظهرها، لذلك يقترح وليام جيمس و شيلرمفهوم الإشباع للحديث عن حالة الفرد عندما تكون نتيجة فعله مطابقة للحدوس التي كانت لديه ..يقول وليام جيمس "قبل كل شيء يجب أن توجهنا فكرة الحقيقة و تقودنا إلى هذه الواقعة عوض تلك، و يجب فيما بعد على هذا التوجيه وهذه القيادة المشار إليهما أن يحصل على الإشباع من خلال النتائج المحققة…ما يوجد واقعيا ليس الأشياء ولكن الأشياء فس طور التحقق" .. بمعنى أنه لا يتعلق الأمر بالبحث عن مصدر الأفكاروالمعارف، بل بملاحظة أثرها الإجرائي أو التطبيقي على الأشياء، إن المعارف التي نكونها في حياتنا اليومية و تساعدنا في إطار الحراك الذي يحدث في علاقتنا الإجتماعية ليست معارف خاطئة نقوم بتصحيحها، كما انها ليست أحكاما مسبقة ، بل إنها معارف مطابقة للفعل و ملازمة له من الأفضل حصرها و فهمها. إن التجربة هي بداية و نهاية كل معرفة، وخلاصة التصور البراغماتي هي أن العالم لا يوجد إلا من خلال التأويلات التي يقوم بها الأفراد وليس معطى مسبقا، كما أن البراغماتية هي منهج و طريقة لولوج المعرفة والوعي الذي يتحقق لدى الأفراد عن العالم الذي يعيشون فيه، والنظرية هي نمط أو شكل لتوجيه السلوك والفعل الفردي ، بحيث أن هذا التوجيه يطرح مشكل دافعية الفعل والسلوك وطريقة إنجازه او القيام به ، ومضمونه وطبيعته الأخلاقية.
ب-النظرية السلوكية :
قامت السلوكية في علم النفس على البراغماتية، وقد تأسست على يد واطسون سنة 1913 كمحاولة لإضفاء طابع موضوعي على علم النفس و ربطه أكثر بالعلوم الطبيعية، و قد اعتمدت السلوكية على المادة التجريبية التي قدمها Taurnday.K والتي توافرت عن طريق الأبحاث التي قام بها على سلوك الحيوانات ، و تعتبر السلوكية استمرارا للإتجاه الميكانيكي في علم النفس الذي يرد الظواهر السيكولوجية إلى استجابات الكائن العضوي ، و يطابق بين الشعور والسلوك، و أوضحت أعمال Watson رفضه استخدام مفاهيم الوعي والإرادة التي يصعب دراستها على ضوء السلوك الملاحظ,, و تعتمد السلوكية على التعريفات الإجرائية و ترفض الإستعانة بالإستنباط أو الخبرة الذاتية في دراسة سلوك الإنسان باعتبارها أدوات غير علمية ، و هناك فريق متطرف من السلوكيين يركز على السلوك الظاهر و يستبعد كل المفاهيم التي تشير إلى حالات عقلية مثل القيمة والإعتقاد ، أو المستويات المجردة مثل الثقافة و النظم الإجتماعية ، في الثلاثينيات ظهر السلوكيون الشرطيون أو المحدثون ، و قد تطورت و نمت نظرياتهم بتأثير تعاليم بافالوف ، و يرفض الإتجاه السلوكي المتطرف الغالبية العظمى من علماء الإجتماع ، إلا أن السلوكية المعتدلة أو السلوكيون الشرطيون الذين استفادوا من أدوات البحث الحديثة أحدثوا تأثيرات ملموسة في تطور علم الإجتماع ذاته.
ج-نظرية الفعل الإجتماعي :
تعتمد نظرية الفعل الإجتماعي على قضية أساسية فيما يتعلق بتفسير و تأويل السلوك الإنساني ألا و هي أن كل سلوك فهو سلوك هادف، أي أن الفاعل الإجتماعي لبلوغ هدف أو غاية ما فإنه يختار عدة وسائل و أنماط سلوك متعارف عليها اجتماعيا للوصول إلى غياته، حيث يتضمن الفعل اختيار الفاعل لعدد محدود من الوسائل التي تحقق هدفه دون وسائل أخرى ، و بذلك يحصل التمايز بين الوسائل والغايات، و لا يقتصر الفعل الإجتماعي ، و لكل فاعل اجتماعي طريقته الخاصة في معرفة أساليب السلوك و سياقاتها الإجتماعية.
يذهب ماكس فيبر في كتابه " نظرية التنظيم الإجتماعي و الإقتصادي" إلى أن علم الإجتماع هو ذلك العلم الذي يحاول القيام بتفسير و فهم السلوك أو الفعل الإجتماعي لتفسير سائر الظواهر الإجتماعية، أي أن علم الإجتماع عنده يدور في إطار سيكولوجي لأن الفعل الإجتماعي يتضمن كل مظاهر السلوك الإنساني، بما فيها الفردي، فكل سلوك إنساني هو ببساطة سلوك هادف، و من تم يكون للإنسان - الفاعل أهدافه المحددة و يكون لسلوكه معنى يستنبطه الفاعل الإجتماعي ، و يكون معنى ذاتيا متطابقا مع المعنى السائد في عقل الآخرين – المجتمع، كما يعتبر ماكس فيبر أن الفعل الإجتماعي فعل عقلي لأن الفعل هو سلوك موجه نحو هدف محدد، أي أنه هادف و غير غامض، و بالتالي فهو فعل عقلي، و لأنه يستند لمجموعة من القيم الموضوعية المتعارف عليها اجتماعيا والتي تستند بدورها على صور اجتماعية واضحة و منطقية، و يميز فيبر بين الأفعال الإجتماعية المرتبطة بالأفراد فيما بينهم، و بين الأفعال اللااجتماعية المتعلقة بسلوك الأفراد تجاه المادة او الموجودات الطبيعية، أي أن الفعل الإجتماعي يتحقق فقط عندما يحصل احتكاك الإنسان بالآخرين يسميه فيبر بالإحتكاك الإجتماعي.
كما أنه يميز بصدد أشكال الفعل الإجتماعي بين الأفعال الإجتماعية المتصلة بالأفراد كخصام شخصين، و تلك المتصلة بالجماعات و الجموع الحاشدة ، حيث أن السلوك – الفعل لا يصدر عن الفرد – الإنسان كإنسان، بل عن الفعل الإجتماعي الذي يكتسبه الفرد بالتقليد و الإلتحام في الجماعة، ويسمسه فعل عام – جمعي .
المفاهيم الأساسية للتفاعلية :
أ-الفرد "الأنا" كفاعل :
رغم أن الفرد لا يكون دائما شفافا في أفعاله فإنه لا يكون أعمى في ما يفعله، أي أنه يعي جيدا ما يقوم به ، و هو ما تأخذه التفاعلية بعين الإعتبار عندما تهتم به كفاعل، كما أنها تهتم بالشروط الإجتماعية و المحيطة التي يتأطر فيها فعله الإجتماعي، إن الفرد بالنسبة لها ليس ذرة طاقية أحادية تقرر وحدها في تصرفاتها و ممارساتها، كما انه ليس مخلوقا لا حول له في مواجهة مجتمع يملي عليه تصرفاته و سلوكه، إن كل فعل يتم إنجازه يأخذ بعين الإعتبار ردود فعل الآخرين و تقديراتهم لهذا الفعل و تفسيرهم له، إنه على الأقل خاضع لفهم و تفسير لحد أدنى يتيح التقويم والتواصل ، و حسب P.Wortier فإن التفاهم بين الأعضاء المتفاعلين هو شرط الأنشطة المتبادلة ، و كل رابط اجتماعي أو علاقة اجتماعية يتطلب عملية التأثير و توجيه الواحد للأخر.
ب-البعد الرمزي :
تتعدد الإشارات في سلوك الفاعلين بدءا من الخطاب/اللغة إلى الحركات الجسدية ، إلى الحد الذي يصبح فيه كل هذا اعتياديا، بل إن كل الأفراد يكتسبونه و يستعملونه في حياتهم اليومية و في تفاعلهم الإجتماعي مع الآخرين، إن نسيجا من العناصر المكتسبة تغذي باستمرار الروابط الإجتماعية ، و كل فاعل يجهل هذه العناصر يكون فإنه يكون في مواجهة مواقف و سلوكات قد لا يفهمها ، مما يتطلب منه القيام بمجهود فكري للإقتراب من الحس المشترك الذي يسمح بتفسير خطاب و سلوك الآخرين و استيعابه ثم التفاعل معه.
إن الاخرين عندما يرسلون إلينا إشارات أو علامات لفظية أو جسدية ما فإنهم يحيلون على البعد الدلالي و بالتالي الرمزي، فالإنسان في تفاعله مع العالم يجد نفسه أمام جدار سميك من الدلالات التي يستعملها للتحرك بسهولة و يسر، لذلك فالعلاقة مع العالم مشروطة بالبعد الرمزي ، و يتوفر الفاعل على ادوات مرجعية اجتماعية و ثقافية تساعد في عملية التأويل التي يقوم بها في تفاعله مع الآخر/الآخرين.
إن الدلالات المشتركة بين جماعة من الأفراد تحدد مجال و طبيعة بعض المواقف والسلوكات كما انها ترتب الأشياء وفق مجموعات محددة يتقاسم هؤلاء الأفراد شفرات معرفتها و فهمها ، و حتى عندما يتعلق الأمر بدلالة واقعة ترتبط بسياق محدد من أجل فهمها فإن كل فرد يكتسب منذ صغره القدرة على المرور من السياق العام إلى السياق الخاص قصد إسناد الدلالة الملائمة لهذه الواقعة، إنه يلتجئ في ذلك إلى مجموع المعارف والأفعال والسلوكات التي اكتسبها في جماعة المرجعية التي يرتبط بها والتي تغذي باستمرار نظرته و تصوره للعالم و للواقع.
إن الجماعة التي ينتمي إليها و ثقافتها تعد موردا أساسيا في مواجهة العالم الذي يحيط بنا، كما أنها تعتبر الأرضية المرجعية التي نستمد منها معنى الدلالات الكثيرة والعلامات التي نصادفها في وجودنا الإجتماعي و في تفاعلنا مع الاخرين.
ج-مفهوم التفاعل :
إن التفاعلية على الرغم من أخذها للفرد كقاعدة في مقاربة الوقائع والظواهر الإج، إلا أنها لا تأخذه كمبدإ في التحليل، بل أنها على مستوى التحليل تأخذ الفرد في فعله المتبادل مع الآخرين..إن التفاعل هو حقل للتاثير المتبادل لأن الإجتماعي لا يوجد كمعطى سابق عن الأفراد/ الفاعلين، بل إن الإجتماعي حسب جورج زيمل هو شكل مستمر أو انه حسب ستروس نظام متفاوض عليه.
إن التفاعلية تعتبر المجتمع كبنية حية في تشكل مستمر، و يعتبر زيمل بأنه يوجد هناك مجتمع بالمعنى الواسع للكلمة أينما وجد فعل متبادل للأفراد، و يمكن ان نلاحظ المستويات و الكيفيات المختلفة للتجمعات من التجمع العادي لشخاص سيذهبون جماعة في نزهة، إلى الوحدة الحميمية لعائلة أو عشيرة من القرون الوسطى، و يظهر بالنسبة للرؤية التي تقتحم عمق الأشياء أن الظواهر التي تشكل وحدة جديدة فوق الأفراد و مستقلة عنهم يمكن فهمها من خلال الفعال المتبادلة التي اشترك فيها هؤلاء الأفراد..إن التفاعلات بين الأفراد ليست عمليات ميكانيكية يتم ربطها بالأدوار افجتماعية للأفراد أو وضعياتهم، إن الحديث عن التفاعل بين الطبيب والمريض ، المحامي و الزبون، هي علاقة تتحيل فقط على افطار الشكلي للتفاعل، ولاتعكس قط عملية التفاعل و مضمونها وغناها أو كيف يلعب الفاعل دوره، و ما نتائج فعله، لأن التفاعل بين شخصين أو اكثر لا يمكن توقع نتائجه، بل إن أولئك الأشخاص انفسهم لا يعرفون مسبقا مراحل علاقة تفاعلهم، وبالتالي فهي تتأسس على إطار من الإنتظارات النتبادلة.
كما ان الفاعل لا يشمل الفاعلين الحاضرين في لحظة الفعل فقط، بل عناصر أخرى غير مرئية ساعدت أو ساهمت في صياغة علاقة أحد الفاعلين أو كلهم مع العالم، إن الشخص الفاعل ينبني اجتماعيا في سلوكنا اليومي و أفعالنا، يتمثل الآخرين بشكل ملموس مباشر أو ضمنيا من خلال حضورهم المعنوي.
التفاعل الإجتماعي هو عملية تشكل مستمر و ليست استجابة لمعايير وقواعد يحكمها الفاعلون و تملي عليهم سلوكهم و مواقفهم، إن الانا في إصلاح و تاويل و و إعادة بناء مستمرن فيتحدث ستروس عن عملية التراكم و نمو النا من خلال التفاعل ، و التفاعل لا يتم من خلال اللغة و الخطاب فقط، بل يتعلق كذلك برمزية الحركات الجسدية المرافقة للكلام أو بدونه، و حسب جوفمان لو استطاع الفاعل التوقف عن الكلام فإنه لا يستطيع ابدا التوقف عن التواصل عبر لهجة الجسد .
د-البراديغم التأويلي :
ينطلق الفاعلون في نموذجهم أو براديغمهم التأويلي من أن القواعد والمعايير غير سابقة البثة عن الفعل، بل إن الفاعلين هم من يقومون بإبرازها من خلال تحديدهم للوضعية التي يكونون فيها، كما أن السياق ليس أبدا عنصر إكراه خارجي يحدد الفعل بل إنه إطار للفعل يتم تأويله باستمرار.
و على عكس البراديغم المعياري – الشمولي الذي يغلب في تفسير السلوك والفعل الإنساني، احترام القواعد والمعايير، فإن التفاعليين يؤكدون علـــــــــــى أن الفاعلين لا يترددون في استعمال هذه المعايير و القواعد حسب حاجياتهم و أهدافهم، و يعطي غارفلز مثال للتفاوض على السعر في مجتمع يكون فيه الثمن قارا و محددا مؤسساتيا ، و يقول أن سبب عدم التفاوض على السعر لا يتعلق بتمثل واستبطان الفرد- الفاعل لمعيار السعر القار، بل إن السبب يرجع قبل كل شيء إلى عملية توقع لانعكاسات سلبية لعملية التفاوض قد تجعله في وضعية الإحساس بالحرج.
تعج الحياة اليومية بمواقف وسلوكات لانهائية، و تبدو المعايير والقواعد الإجتماعية كمؤشرات لانهائية، و تبدو هذه القواعد الإجتماعية كمؤشرات تساهم في إنتاج و تحديد هذه السلوكات والمواقف المختلفة حسب الفاعلين والظروف المحيطة به، و لمقاربة هذه السلوكات و المواقف فإن مركز التحليل يجب أن يتغير، فعوض أن نقوم حسب التفاعليين بوصف القواعد والمعايير لاستنباط واستنتاج السلوكات المترتبة عنها ، فإننا على العكس من ذلك تماما يجب الإنطلاق من الإستعمالات يوظف فيها الفاعل أو الفاعلون هذه القواعد والمعايير ليتسنى لنا فهم سلوكه.
إن التنشئة الإجتماعية تؤهل الفاعل وتجعله يكتسب و يستبطن قائمة كبيرة من الأدوار يستعملها بذكاء حسب الظروف و السياقات، و هذه الدوار و الوضعيات تترك هامشا لتقدير استعمالها الذي يخضع للكفاءة التأويلية و البراغماتية التي تجعل الفاعل ينتبه ليبقى دائما منسجما في نظر الآخرين و واضحا في أفعاله.
إن الواقع الإجتماعي هو بناء و إعادة بناء مستمر و ليس تكرارا لنموذج واحد، إن النموذج نفسه ليس مهما، المهم هو عملية تحيينهActualisation في سياقه الخاص.
أما بالنسبة للسوسيولوجيا المعتمدة للبراديغم المعياري فإن المعيار و القواعد هي إنذارات خارجية يستوعبها الأفراد بالتعلم والتنشئة الإجتماعية و يستبطنونها على اعتبار أنهم مجرد فاعلين لإعادة الإنتاج الإجتماعي، و بذلك يصبح تفسيرهم للسلوك الإجتماعي والمواقف الفردية معتمدا على النموذج الإستبطاني المعتمد في العلوم الطبيعية، أي أن الفرد الموجود في وضعية "أ" سيتصرف منطقيا بالإعتماد على الدور "ب".
لقد عبر النموذج التفسيري المعياري عن محدودية خاصة مع "تالكوت بارسونز"، لأن استبطان و اعتماد القواعد والمعايير لم يكن أبدا موحدا بين كل الفاعلين بل هناك العديد منهم يتصرفون في حياتهم دون إعطائها اي اعتبار، كما أنه لا يوجد أي إكراه اجتماعي أو سوسيولوجي يفرض الإلتزام بالقواعد والمعايير، كل ما هناك أن الأفراد في قراراتهم الخاصة في موقف أو سلوك ما مطالبون بالتطابق والإنسجام مع هذه المعايير ، و ما دام أن هذه المعايير والقواعد لا تكون موضوع تأويل حسب السياق و شروطه عندما يكون الفاعل بصدد اتخاذ قراره، فإن المهمة الأساسية والعلمية التي يقوم بها الفاعل في هذه الوضعية هي تحديد الخطوط العريضة للأفعال المشتركة في هذه الحالة، واختيار إحداها تتطابق و نماذج الفعل الذي يقوم بهالآخرون في نفس هذه الحالة من خلال ما يسميه الإثنوميتودولوجيون البحث التوثيقي.
الأنـــــــــــــــــــــــــــــــــا :
لقد شغل الأنا التفكير السوسيولوجي الأمريكي منذ البراغماتيين والتحليلات السوسيولوجية لجورج هربرت ميد، و تعتبر الأنا حجر الزاوية بالنسبة للسوسيولوجيين التفاعليين في بناء نظريتهم و مشروعهم السوسيولوجي لأن الأنا يبنى اجتماعيا و هو نتاج التاريخ الشخصي المتسم بكل الوضعيات والمواقف والأدوار المختلفة التي مر منها الفرد في حياته، اما أنه في نفس الوقت نتيجة مؤقتة لهذه التجربة المكتسبة التي تغتني باستمرار.
و تعد اللغة المادة الاولية التي من خلالها يعي الأنا نفسه و ينفتح على الأخرين، كما أنها الوسيلة الملائمة للدخول في علائق وروابط بغض النظر عن الإيحاءات والإيماءات الدلالية التي يوظفها الجسد و تدخل في لإطار البعد الرمزي إلى جانب اللغة – الخطاب.
إن الأنا هو مكان الرقابة في إطار التفكير والعقل، و مجال المداولة الحميمية و الذكاء الإجرائي، إنه الآمر لاتخاذ موقف أو قرار تجاه الأوضاع المختلفة لأنه يعد مركز المعنى الذي تنبثق منه العلاقة بين الفاعل والعالم المحيط به.
لكن، لا يجب خلط او تشبيه الأنا بكائن أو تنظيم أو حتى بانه هيأة أخلاقية ، بل إنه شكل من الوعي الموجه للأفعال والممارسات والأفكار لدى الأفراد، إن الأنا منقسم و موزع اجتماعيا إلى ما لا نهاية، والأفراد الفاعلون يكونون في رحلة دائما لتقمص الأنا حسب الوضعيات والسياقات المختلفة.
جورج هربرت ميد :
ينطلق من مفهوم الأخر المعمم L’AUTRUI GENERALISE الذي يربطه بكل جماعة منظمة أو جماعة اجتماعية ، و يجعله المحدد الأساسي الذي يعطي للفرد وحدة الجماعة – وحدة الأنا UNITE DE SOI على اعتبار أن موقف الآخر المعمم هو موقف الجماعة، و يعطي مثالا عن ذلك بالفريق الرياضي، و يكتمل أنا الفرد حسب ميد عندما ياخذ بعين الإعتبار مواقف الآخرين تجاههم و تجاه أنفسهم فقط، و بإدماج كل ذلك في تجربته الشخصية، بل إن الشرط الأساسي لتحقيق الأنا واكتمالها هو عند تبني مواقف الجماعة التي ينتمي إليها ويشارك في انشطتها الإجتماعية المشتركة و في كل الأنشطة والقضايا التي تهمه، و يعطينا ميد مثال الحزب السياسي كشكل اجتماعي جماعي منظم تتداخل فيه مواقف الفرد والجماعة – الحزبن وتصبح وحدة أي أنـــا مكتملة .
إن ميد يؤكد على الأصل الإجتماعي للفعل، فالإنسان ليس كائنا اجتماعيا فحسب، بل إن وجوده رهين بالآخر / المجتمع، فالكائن الحي مضطر للحفاظ على بقائه أن يكون امتدادا لبيئته و متعاضدا مع الآخرين. والفرد لا يعرف اناه الخاصة إلا بتيني موقف الجماعة التي ينتمي إليها، فهو مضطر ليكون كائنا اجتماعيا أن يكون هو نفسه، و بذلك فإن ميد يرفض الموقف القائل بأن الوعي الفردي سابق عن التنظيم الإجتماعي، و الأنا بالنسبة له قبل كل شيء كائن اجتماعي يتميز بالقدرة على الإنتاج والإبداع والتقليد والمحاكاة ، و افعاله و سلوكه لا معنى لها خارج المحيط الإجتماعي، إن الوعي بالنسبة له مصاحب للفعل والسلوك، فيقول : " إننا واعون حينما يعطي ما نقوم به توجها – غاية- هدفا لما نقوم به.
و يصبح العقل الفردي شخصا، ذاتا، عندما يصبح موضوعا خاصا للفكر أو الوعي،أن يكون الفرد هو ذاته " أناه" ليس معناه التميز عن الآخرين، بل النظر إلى الذات من وجهة نظر الآخرين التي ليست وجهة نظر هذا او ذاك، بل هي وجهة نظر الآخر المعمم.. و ظهور الذات والأنا ينتج عنه تحويل المجتمع ماديا و اخلاقيا، فبواسطة العقل يعيد الشيء بناء العالم المادي، و بحضور الآشخاص/الآخرين يكف المجتمع أن يكون تجمعا لوحدات بيولوجية ليصير جماعة أخلاقية اجتماعية.
                               
بالتوفيق والتفوق 

هناك تعليقان (2):